جابر عثرات الكرام
صفحة 1 من اصل 1
جابر عثرات الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جابر عثرات الكرام
عن شيبة الدمشقي قال :
كان في زمن سليمان بن عبدالملك رجل من بني أسد يقال له : خزيمة بن بشر ، مشهور بالمروءة والكرم والمواساة ، وكانت نعمته وافرة ، فلم يزل على تلك الحال حتى افتقر ، فاحتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم ، فواسوه حيناً ثم ملّوه ، فلما لاح له تغيرهم ، قال لامرأته : يابنة عم ، قد رأيت من إخواني تغيراً ، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت ، ثم اغلق بابه عليه، و أقام يتقوّت بما عنده حتى نفد ، وبقي حائراً في حاله .
وكان عكرمة الفياض والياً على الجزيرة ، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد ، إذ جرى ذكر خزيمة فقال عكرمة : ما حاله ؟
فقالوا : صار في أسوأ الأحوال ، وقد أغلق بابه ، ولزم بيته .
فقال عكرمة : فما وجد خزيمة بن بشر مواسياً ولا مكافئا !
قالوا : لا .
فأمسك عن ذلك الحديث لأمر أخفاه في نفسه ، فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار ، ووضعها في كيس واحد ، وخرج متنكراً سراً حتى وقف بباب خزيمة وطرقه ، فخرج خزيمة ، فقال له : أصلح بهذا شأنك ، فتناوله فوجده ثقيلاً ، فقبض خزيمة على لجام الدابة ، وقال : من أنت ، جعلت فداءك ؟
قال له : ما جئتك في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني .
قال خزيمة : فما أقبله أو تخبرني من أنت ؟
فقال : أنا جابر عثرات الكرام ، ثم انصرف .
فدخل خزيمة داره وهو يتحسس الكيس والدراهم غير مصدق . ورجع عكرمة إلى منزله ، فوجد امرأته قد افتقدته وارتابت ، ولطمت خدها ، فلما رآها على تلك الحال قال لها : ما دهاك يا ابنة عم ؟
قالت : سوء فعلتك بابنة عمك ، أمير الجزيرة لا يخرج في هدأة من الليل سراً دون غلمانه إلا إلى زوجة أو سرية !
قال : لقد علم الله ما خرجت لواحدة منها.
قالت : فخبرني فيم خرجت ؟
قال : يا هذه لم أخرج في هذا الوقت إلا وأنا لا أريد ألا يعلم بي أحد .
قالت : لا بد أن تعلمني.
قال : فاكتميه إذاً .
قالت : سأفعل.
فأخبرها بالقصة على وجهها
فقالت : قد سكن قلبي .
ثم أن خزيمة أصبح ، فصالح غرمائه و أصلح من حاله ، ثم تجهز قاصداً سليمان بن عبدالملك ، فلما حضره ، استأذن عليه ، فأذن له سليمان لما يعلم من مروءته ، فأخذ سليمان يسأله عن حاله وسبب إبطاءه عنه ، فأخبره خزيمة بقصة زائر الليل.
فقال سليمان : هل عرفته ؟
قال : لا والله لأنه كان متنكراً ، وما سمعت منه إلا أنه جابر عثرات الكرام .
فتلهف سليمان على معرفته وقال : لو عرفناه لأعنّاه على مروءته.
ثم عقد لخزيمة ولاية الجزيرة وعلى عمل "عكرمة الفياض" نفسه ، و أجزل عطاياه ، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة .
فخرج خزيمة إليها ، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلدة للقائه ، وسارا جميعاً إلى أن دخلا البلد ، فنزل خزيمة دار الإمارة ، وأمر أن يؤخذ عكرمة ويحاسب ، فحوسب ، ففضل عليه مال كثير ، فطلبه خزيمة بالمال.
قال عكرمة : مالي إلى شيء منه من سبيل, و لست ممن يصون ماله بعرضه ، فأصنع ما شئت.
فأمر به فكبِّل بالحديد ، و وضع في الحبس وضيّق عليه ، فأقام على ذلك شهراً ، فأضناه ثقل الحديد وأضر به .
وبلغ ذلك ابنة عمه ، فدعت جارية لها ذات عقل ، وقالت : امض الساعة إلى باب هذا الأمير ، فقولي عندي نصيحة ، ولا أقولها إلا للأمير نفسه ، فإذا دخلت عليه سليه في الخلوة : ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد ! ففعلت الجارية ذلك
فلما سمع خزيمة قولها قال : واسوأتاه ! جابر عثرات الكرام غريمي !
فأمر من وقته بدابته فأسرجت ، وركب إلى وجوه أهل البلد فجمعهم وسار بهم إلى باب الحبس ففتح ، ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً ، قد أضناه الضّر . فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس احشمه ذلك ، فنكس رأسه . فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبّله ، فرفع عكرمة رأسه إليه وقال : ما أعقب هذا منك ؟
قال : كريم فعالك وسوء مكافأتي .
قال : يغفر الله لنا ولك.
ثم أمر خزيمة بفك قيود عكرمة و خرجا جميعاً إلى أن وصلا إلى دار خزيمة ، فودعه عكرمة ، وأراد الانصراف ، فلم يمكنه من ذلك ، وقال : وما تريد ؟
قال : أغير من حالك ما أراه ، ثم أمر بالحمام فأخلي ودخلا جميعاً ، ثم قام خزيمة فتولى خدمة عكرمة بنفسه ، وسأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين.
فسارا جميعً حتى قدما على سليمان بن عبدالملك ، فراعه قدوم خزيمة بدون أمره مع قرب العهد به ، فأذن لخزيمة ، فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلم : ما وراءك يا خزيمة ؟
قال : خيراً يا أمير المؤمنين ، ظفرت بجابر عثرات الكرام ، فأحببت أن أسرك لما أعلم من شوقك إلى رؤيته
قال : ومن هو ؟
قال : عكرمة الفياض
فأذن له بالدخول ، فدخل وسلم عليه وأدناه من مجلسه وقال : يا عكرمة ، كان خيرك له وبالاً عليك.
ثم قضى حوائجه وأمر له بعشرة آلاف دينار ، و عقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان ، وقال له : أمر خزيمة بيدك ، إن شئت أبقيته و إن شئت عزلته.
قال : بل أرده إلى عمله يا أمير المؤمنين
ثم انصرفا جميعاً ، ولم يزالا عاملين لسليمان مدة خلافته.
==================================================
قصة منقولة من قصص كتاب "ثمرات الأوراق" لإبن حجة الحموي
رجل كريم افتقر من شدة الكرم , و رجل ذو مروءة حملته على أن يجبر عثرة الرجل الكريم و ذو عفة نفس أبت عليه أن يمن على سجَّانه بأنه هو صاحب الفضل عليه.
هذه قصة من زمن كنا فيه سادة العالم.. من منا سمع بمثلها في زمننا هذا؟
لا بد من وجود أمثال لهؤلاء في هذا الزمن و لكنهم قلائل جداً و لا أحد يسمع بهم و لا أحد يبحث عنهم, هل صرنا في زمن مات فيه الكرم و ضاعت فيه المروءة و عفة النفس؟
اتمنى تنال رضاكم
جابر عثرات الكرام
عن شيبة الدمشقي قال :
كان في زمن سليمان بن عبدالملك رجل من بني أسد يقال له : خزيمة بن بشر ، مشهور بالمروءة والكرم والمواساة ، وكانت نعمته وافرة ، فلم يزل على تلك الحال حتى افتقر ، فاحتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم ، فواسوه حيناً ثم ملّوه ، فلما لاح له تغيرهم ، قال لامرأته : يابنة عم ، قد رأيت من إخواني تغيراً ، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت ، ثم اغلق بابه عليه، و أقام يتقوّت بما عنده حتى نفد ، وبقي حائراً في حاله .
وكان عكرمة الفياض والياً على الجزيرة ، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد ، إذ جرى ذكر خزيمة فقال عكرمة : ما حاله ؟
فقالوا : صار في أسوأ الأحوال ، وقد أغلق بابه ، ولزم بيته .
فقال عكرمة : فما وجد خزيمة بن بشر مواسياً ولا مكافئا !
قالوا : لا .
فأمسك عن ذلك الحديث لأمر أخفاه في نفسه ، فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار ، ووضعها في كيس واحد ، وخرج متنكراً سراً حتى وقف بباب خزيمة وطرقه ، فخرج خزيمة ، فقال له : أصلح بهذا شأنك ، فتناوله فوجده ثقيلاً ، فقبض خزيمة على لجام الدابة ، وقال : من أنت ، جعلت فداءك ؟
قال له : ما جئتك في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني .
قال خزيمة : فما أقبله أو تخبرني من أنت ؟
فقال : أنا جابر عثرات الكرام ، ثم انصرف .
فدخل خزيمة داره وهو يتحسس الكيس والدراهم غير مصدق . ورجع عكرمة إلى منزله ، فوجد امرأته قد افتقدته وارتابت ، ولطمت خدها ، فلما رآها على تلك الحال قال لها : ما دهاك يا ابنة عم ؟
قالت : سوء فعلتك بابنة عمك ، أمير الجزيرة لا يخرج في هدأة من الليل سراً دون غلمانه إلا إلى زوجة أو سرية !
قال : لقد علم الله ما خرجت لواحدة منها.
قالت : فخبرني فيم خرجت ؟
قال : يا هذه لم أخرج في هذا الوقت إلا وأنا لا أريد ألا يعلم بي أحد .
قالت : لا بد أن تعلمني.
قال : فاكتميه إذاً .
قالت : سأفعل.
فأخبرها بالقصة على وجهها
فقالت : قد سكن قلبي .
ثم أن خزيمة أصبح ، فصالح غرمائه و أصلح من حاله ، ثم تجهز قاصداً سليمان بن عبدالملك ، فلما حضره ، استأذن عليه ، فأذن له سليمان لما يعلم من مروءته ، فأخذ سليمان يسأله عن حاله وسبب إبطاءه عنه ، فأخبره خزيمة بقصة زائر الليل.
فقال سليمان : هل عرفته ؟
قال : لا والله لأنه كان متنكراً ، وما سمعت منه إلا أنه جابر عثرات الكرام .
فتلهف سليمان على معرفته وقال : لو عرفناه لأعنّاه على مروءته.
ثم عقد لخزيمة ولاية الجزيرة وعلى عمل "عكرمة الفياض" نفسه ، و أجزل عطاياه ، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة .
فخرج خزيمة إليها ، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلدة للقائه ، وسارا جميعاً إلى أن دخلا البلد ، فنزل خزيمة دار الإمارة ، وأمر أن يؤخذ عكرمة ويحاسب ، فحوسب ، ففضل عليه مال كثير ، فطلبه خزيمة بالمال.
قال عكرمة : مالي إلى شيء منه من سبيل, و لست ممن يصون ماله بعرضه ، فأصنع ما شئت.
فأمر به فكبِّل بالحديد ، و وضع في الحبس وضيّق عليه ، فأقام على ذلك شهراً ، فأضناه ثقل الحديد وأضر به .
وبلغ ذلك ابنة عمه ، فدعت جارية لها ذات عقل ، وقالت : امض الساعة إلى باب هذا الأمير ، فقولي عندي نصيحة ، ولا أقولها إلا للأمير نفسه ، فإذا دخلت عليه سليه في الخلوة : ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد ! ففعلت الجارية ذلك
فلما سمع خزيمة قولها قال : واسوأتاه ! جابر عثرات الكرام غريمي !
فأمر من وقته بدابته فأسرجت ، وركب إلى وجوه أهل البلد فجمعهم وسار بهم إلى باب الحبس ففتح ، ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً ، قد أضناه الضّر . فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس احشمه ذلك ، فنكس رأسه . فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبّله ، فرفع عكرمة رأسه إليه وقال : ما أعقب هذا منك ؟
قال : كريم فعالك وسوء مكافأتي .
قال : يغفر الله لنا ولك.
ثم أمر خزيمة بفك قيود عكرمة و خرجا جميعاً إلى أن وصلا إلى دار خزيمة ، فودعه عكرمة ، وأراد الانصراف ، فلم يمكنه من ذلك ، وقال : وما تريد ؟
قال : أغير من حالك ما أراه ، ثم أمر بالحمام فأخلي ودخلا جميعاً ، ثم قام خزيمة فتولى خدمة عكرمة بنفسه ، وسأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين.
فسارا جميعً حتى قدما على سليمان بن عبدالملك ، فراعه قدوم خزيمة بدون أمره مع قرب العهد به ، فأذن لخزيمة ، فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلم : ما وراءك يا خزيمة ؟
قال : خيراً يا أمير المؤمنين ، ظفرت بجابر عثرات الكرام ، فأحببت أن أسرك لما أعلم من شوقك إلى رؤيته
قال : ومن هو ؟
قال : عكرمة الفياض
فأذن له بالدخول ، فدخل وسلم عليه وأدناه من مجلسه وقال : يا عكرمة ، كان خيرك له وبالاً عليك.
ثم قضى حوائجه وأمر له بعشرة آلاف دينار ، و عقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان ، وقال له : أمر خزيمة بيدك ، إن شئت أبقيته و إن شئت عزلته.
قال : بل أرده إلى عمله يا أمير المؤمنين
ثم انصرفا جميعاً ، ولم يزالا عاملين لسليمان مدة خلافته.
==================================================
قصة منقولة من قصص كتاب "ثمرات الأوراق" لإبن حجة الحموي
رجل كريم افتقر من شدة الكرم , و رجل ذو مروءة حملته على أن يجبر عثرة الرجل الكريم و ذو عفة نفس أبت عليه أن يمن على سجَّانه بأنه هو صاحب الفضل عليه.
هذه قصة من زمن كنا فيه سادة العالم.. من منا سمع بمثلها في زمننا هذا؟
لا بد من وجود أمثال لهؤلاء في هذا الزمن و لكنهم قلائل جداً و لا أحد يسمع بهم و لا أحد يبحث عنهم, هل صرنا في زمن مات فيه الكرم و ضاعت فيه المروءة و عفة النفس؟
اتمنى تنال رضاكم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى